من الذاكرة

في قطع رحط زهراء بنت عمي ود علي - امسكوا الخشب وامسكوا أولادكم عليكم ما فاضي للترجمة - وبعين قوية احتليت مكاني في إنتظار العرض ، جاءت العطية أخت العروس تنظم في الحلقة فلم استجب لها أو استجبت على مضض ،فقالت لي : يا مصطفى إنت المقعدك هنا شنو ؟ في راجل بيحضر قطع رحط أختو ؟ زهراء دي ما أختك ؟

شعرت بقهر شديد ، انسحبت من المشهد ، ذهبت لبيتنا الخالي والمظلم لأن الجميع في العرس ، في البيت بكيت بحرقة ونمت على الكراب في في عنقريب وجدته في الحوش .

لم أغفر للعطية هذا الموقف حتى تزوجت وغادرت الخلوات ، موقف العطية هذا لا يخلو من درس ، فالعطية عن قصد او عن غير قصد كانت تعلّي من مكانة أبناء العمومة وتجعلهم في مصاف الإخوان ، بعض القبائل وخاصة عرب كردفان لا يقولون ابن عمي بل يقولون أخويا ابن عمي .

في إجازتي الصيفية الماضية تذكرت هذا الموقف عندما زرتها في بيتها بعطبرة .استقلينا انا واولادي نفس عربة أمجاد التي اقلتنا من موقف الحافلات ،ذهبنا لنسلم على العطية واستأذنا منها في الإنصراف بعد المكوث أقل من عشرة دقائق ، وعندما احتجت على هذه الزيارة القصيرة أخذت اشرح لها واعتذر : والهي يا العطية هادي وصلتنا من الخرطوم وعندنا زيارات كثيرة لازم نقضيها . قالت لي بسخرية لم أملك معها إلا أقهقه بالضحك : ( أها كل زول عندو كم دقيقة ؟؟؟؟؟)

ناظر محطتنا ود القطينة ، رجل ملول ، ساخط وساخر . سأله أحد الركاب. مرة عن القبلة فأجابه بقوله : قبل محل ما يعجبك ، دي بلد عبابسة كلها قبلة .

سأعود لود القطينة في آخر القصة فهو بطل قصتنا اليوم .

زواج محمد طاهر حمدتو - لن أقل لكم أمسكوا الخشب ، لأني عارف أيديكم بققن من مسك الخشب - هذه المناسبة راسخة في ذهني لعدة اسباب :

أولها صادفت كسوفا شبه كلي للشمس

ثانيا كنت أنعم فيها بصحبة جعفر والفاتح الفكي وقد كانا في إجازة مع عائلتهم ثالثا : لبست فيها أول جلابية تترون في حياتي ،وقد كان لبس جلاليب التترون نادر وخاصة للصبيان في عمري . أحضرها لي ابوي رحمة الله عليه من الحج .. الله على تلك الجلابية !!! ، لم أفرح في حياتي بشيء أقتنيته مثل فرحي بتلك الجلابية ، كنت أشعر بأن تلك الجلابية هي التي تلبسني ولست انا الذي يلبسها .

العروس آمنة الخليفة رحمة الله عليها تنتمي لكل العائلات في ندي ، خلوات ، مصارة ، يحياب وعبابيد إضافة لمكياب الباقير . امتلأت المحطة بخلق كثير ي لركوب القطار ، ود القطينة لم ير تجمعا في محطته مثل هذا التجمع ، كان يتلفت بإستغراب . في الصباح اليوم التالي شعر بالوحشة كل ما يسأل من أحد يقولوا له سافر الكربة . ود القطينة كما قلت لكم في المقدمة رجلا ملولا كان يمل من الإزعاج والضجة والآن ركبه الملل من الهدوء والفراغ الذي يسود البلدة ,, طلب من المحولجي أن يأتيه بالراديو ويضبطه على إذاعة أم درمان ، بالصدفة الإذاعة كانت مقطوعة لأسباب فنية .

المحولجي ناوله الراديو وقال له : ام درمان ما لقيتها ما عارف راحت وين ؟

رد عليه ود القطينة في سخرية : ام درمان راحت الكربة !!!!!